الاحتراق الوظيفي: الأسباب، المؤشرات وطرق مقاومته
نُحاول أن نلمس جوْهر ظاهرة الاحتراق الوظيفي، مؤشراتها وأفضل الوسائل لمقاومتها.
تؤدّي المنشآت بموظفيها في أحيان كثيرة إلى الاحتراق الوظيفي. قد يكون السبب واحدًا، وفي معظم الأحيان تتراكم جملة من الأسباب.
إن كنتَ صاحب منشأة أو مسؤولًا في الموارد البشريّة وتبحث عن شرح شامل لهذه الظاهرة الآفة وطُرق معالجتها، فهذا المقال هو ما تبحث عنه وتحتاجه.
فهرس المحتويات:
- أوّلا.. ما هو الاحتراق الوظيفي؟
- إحصائيات حول الاحتراق الوظيفي
- الأسباب الأكثر شيوعًا للاحتراق الوظيفي
- ما هي المؤشرات النموذجية للاحتراق الوظيفي؟
أوّلا.. ما هو الاحتراق الوظيفي؟
الاحتراق الوظيفي هو درجة متطوّرة من الإجهاد الوظيفي. يتجلّى الإرهاق الوظيفي عادةً في 3 مظاهر:
- الإرهاق العقلي
- الإرهاق الجسدي
- الإرهاق العاطفي
النتيجة؟ شعور الموظف بانعدام الرغبة والقدرة على أداء مهامّه اليومية في العمل.
من الناحية التنظيمية، يُترجم الاحتراق الوظيفي إلى انخفاض في معدّلات الإنتاج، ارتفاع في معدلات التسرب الوظيفي (يُعرف أيضًا بالدوران الوظيفي)، تأثّر ثقافة الشركة والروح المعنويّة لموظّفي الشركة.
هل الاحتراق الوظيفي ظاهرة…
شائعة؟ نعم، وأكثر ممّا يظنّه المدراء وأصحاب الأعمال ومسؤولو الموارد البشريّة بكثير، لأنّها ظاهرة صامتة لا يمكن اكتشافها مباشرة، بل تُلحظ بآثارها. في استطلاع أجرته شركة Deloitte العالميّة، أكّد 77% من المشاركين في الاستطلاع من معاناتهم لبعض مظاهر الاحتراق الوظيفي في وظيفتهم الحالية.
مُعترف بها؟ نعم، اعترفت المنظمات الصحيّة العالميّة، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية (WHO) بالاحتراق الوظيفي كظاهرة مرضيّة يُعاني منها الموظّفون.
خطيرة؟ نعم، 91% من المشاركين في استطلاع Deloitte أكّدوا أيضًا أنّ التوتر والضغط الشديد يؤثّر على جودة أعمالهم بشكل مباشرة. وحين سُئل المشاركون عن تأثير الاحتراق الوظيفي والإرهاق في علاقاتهم الشخصيّة أكّد 83% أنّ للاحتراق الوظيفي آثارًا مباشرة على حياتهم وعلاقاتهم الشخصيّة.
اقرأ أيضًا: الأداء الوظيفي: دليل التقييم والتطوير [+ نموذج PDF للتحميل]
الأسباب الأكثر شيوعًا للاحتراق الوظيفي
في بعض الأحيان، لا يكون للاحتراق الوظيفي أسباب واضحة أو مباشرة، لكن في أحيان كثيرة، يُمكن التعرّف على الأسباب المباشرة للاحتراق الوظيفي.
إليك أبرزها:
مهام كثيرة: كما هو متوقّع، يُعدّ هذا الأسباب الأكثر شيوعًا للاحتراق الوظيفي. تزداد الأمورًا سوءًا في حالتيْن: حين لا يكون هُناك موعد مُحدّد لإنجاز هذه المهام، أو حين يكون هناك موعد محدد وغير واقعي لإنجاز المطلوب.
عمل غير كاف/غير معقّد: سبب غير متوقع أليس كذلك؟ ليس جميع الموظفين سُعداء بوجود فراغات في أيامهم الوظيفية. قد يعتبره البعض مؤشّرًا على عدم وجود ما يكفي من المهام للموظف، وبالتالي فإن موعد إقالته قريب! من ناحية أخرى، إذا كان العمل غير معقّدا كفاية، لا يشعر الموظفون الذين يبحثون عن فرص نمو وظيفي بالرضا فالكثير منهم يبحث عن افرص للتعلّم والتطوّر. قضاء معظم الوقت في العمل دون تعلم شيء جديد أو تكرار مهام مملّة يؤدّي لإجهاد الموظف نفسيّا وقد ينتهي به الأمر في الاحتراق الوظيفي.
أجور منخفضة: لا يُمانع الكثير من الموظفين في العمل لساعات طويلة وأداء مهام شاقّة. لكن يواجه الكثيرون صعوبة في تقبّل فكرة العمل الجادّ دون وجود مقابل ماديّ يُناسب مجهوداتهم. يؤدي هذا إلى الاحتراق الوظيفي في حالات كثيرة.
بيئة عمل سلبيّة: لا شكّ في أن بيئة العمل وأسلوب الإدارة لهما أثر مباشر على صحّة الموظف النفسية. إذا لم يشعر الموظف بالتحفيز لدخول مكتبه أو حتى فتح حاسوبه لبدء العمل في الصباح فإنّ الشعور بالإرهاق النفسي سيتراكم شيئا فشيئا وسيؤدي في أحيان كثيرة إلى الاحتراق الوظيفي.
ما هي المؤشرات النموذجية للاحتراق الوظيفي؟
الغيابات المرضيّة المتكررة هي أحد المؤشرات الأساسيّة لوجود بيئة عمل تؤدي للاحتراق الوظيفي. إذا لاحظت تغيّب الموظفين بشكل متكرّر لأسباب مرضيّة وغير منطقيّة فلا يعني هذا بالضرورة أنّ الموظف لا يُريد العمل.. قد يكون هذا مؤشرا للاحتراق الوظيفي.
أخطاء العمل المتكررة: يؤدي الاحتراق الوظيفي كذلك إلى ارتفاع معدّل ارتكاب الأخطاء نظرًا لضعف حافزيّة الموظف لإتقان عمله.
نسبة تسرب وظيفي مرتفعة: إذا لاحظت أنّ الموظفين ينقطعون عن وظائفهم بمعدلات عالية أو لاحظت انقطاع الموظف باكرًا عن وظيفته دون وجود سبب منطقي (كحصوله على عرض وظيفي براتب أفضل) فقد يعني هذا أنّ بيئة العمل تحفز الاحتراق الوظيفي.
كيف نقاوم الاحتراق الوظيفي؟
حصص التدريب، الندوات، برامج الرياضة وغيرها قد تكون نافعة نسبيّا، لكنها لا تحلّ جوهر الإشكال.
فيما يلي 5 خطوات للمساعدة في صياغة إطار عمل للوقاية من الاحتراق الوظيفي في منشأتك:
1- ضع حدّا لتعدّد المهام (multi-tasking): أظهرت الدراسات مرارًا وتكرارًا أنّ تعدد المهام لا يجعل الموظفين أكثر إنتاجيّة، بل وعلى النقيض تمامًا: يؤدي تعدّد المهام إلى انخفاض في الإنتاجيّة وإلى ارتفاع منسوب الإجهاد والتوتر لدى الموظفين.
2- اجعل المدراء قدوة: لا يكفي التشجيع على التوقف عن تعدّد المهام، بل ينبغي أن يتحول الأمر إلى ثقافة يُروّج إليها قادة المنشأة، خاصّة إذا تعلق الأمر بالموظفين الذين يشتغلون عن بُعد. كصاحب منشأة أو قائد في قسم الموارد البشريّة، شجّع مدراء المنشأة على أن يقطعوا مع تعدّد المهام وأن يُروّجوا لهذه الثقافة بين الموظفين.
مثلًا، يُمكن أن تطلق المنشأة مبادرات على مستوى عام مثل منع الاجتماعات يوم الإثنين أو حصر وقتها في الفترة المسائية أو الصباحيّة.
3- طوّر قيم المنشأة وروّج لها: تعدّ القيم الأساسية للمنشأة المرآة التي تعكس أولوياتها. إذا لم يكن لدى المنشأة قائمة قيم أساسيّة فهذه الخطوة التي ينبغي البدء بها. إذا كان للمنشأة قائمة قيم فلعلّها تحتاج إلى تعديل. بعد ذلك، ينبغي البحث عن طرق لتحويل قائمة القيم هذه إلى ممارسات عملية داخل الشركة.
4- تفعيل التوازن بين العمل والحياة: قد يكون التوازن بين العمل والحياة من القيم الأساسيّة لمنشأتك. إليك بعض الأمثلة:
- وضع سياسة صارمة لعدم إرسال بريد إلكتروني في عطلة نهاية الأسبوع.
- التركيز على جودة العمل بدل الموعد النهائي. قد يخفف هذا من الضغط ويجعل الموظفين يلتزمون بأوقات عملهم.
- منح الموظفين إجازات ’’رعاية ذاتية‘‘ يُسمح فيها للموظفين بالاعتناء بأنفسهم وعدم التفكير في العمل.
5- تواصل دائمًا مع الموظفين: ينطبق هذا بشكل خاص على مسؤولي قسم الموارد البشريّة. يمنحك التواصل الدائم الأفضلية لملاحظة إرهاق الموظفين والتدخل في الوقت المناسب. احرص على جدولة اجتماعات دوريّة للمراجعة والتقييم. هذه الاجتماعات هي فرصة مثالية لجمع ملاحظات الموظفين. إذا كان الموظفون سُعداء وراضين فهذا جيّد، أمّا إذا لاحظت استياء بعض الموظفين فينبغي حينها التفكير بسرعة في خطّة لمساعدتهم على الحفاظ على حيويّتهم وعدم استنزاف طاقتهم عبر معالجة أصل المشكلة إن أمكن.