العمل المرن: من المستفيد الأكبر.. المنشأة أم الموظّف؟
لا بُدّ أنّك لاحظت أن عالم الأعمال يتغيّر بسرعة يصعب مواكبتها في الآونة الأخيرة… المملكة ليست في معزل عن ذلك!
من بين أحدث الصيحات في عالم المال ما يُعرف بـ"العمل المرن"، وهو نظام عمل أطلقته وزارة الموارد البشريّة في شهر أغسطس من سنة ٢٠٢٠، ومنذ ذلك الحين وشعبيّته بين المنشآت في ارتفاع.
شعبيّة العمل المرن المتزايدة تعكس نجاحه.. لكن يبقى السؤال: من هو المستفيد الأكبر من هذا النظام الحديث: المنشأة أم الموظّف؟
إن كنتَ مهتمًّا بالإجابة عن هذا السؤال وحسم أمرك بشأن اعتماد النظام المرن من عدمه في منشأتك فتابع قراءة هذا المقال لأنّك بصدد العثور على جميع الأجوبة لأسئلتك!
قبل أن نبدأ… ما هو نظام العمل المرن ؟
هو نظام يُخوّل صاحب العمل والباحث عن العمل من التعاقد بشكل مرن، ويُدفع فيه الأجر على أساس عدد ساعات العمل المنجزة.
ومع الارتفاع المستمرّ لتكاليف التوظيف، شرعت العديد من المنشآت بالمملكة في اعتماد عقود العمل المرنة من أجل الحدّ من تكلفة التشغيل، ويُعدّ قطاعا الضيافة والتجزئة الأكثر اعتمادًا لهذا النظام.
للمزيد حول نظام العمل المرن: كلّ ما ينبغي أن تعرفه عن عقد العمل المرن
هل العمل المرن هو المستقبل؟
إليك ما يحدث في العادة: تقوم الولايات المتّحدة بنُقلة نوعيّة في السّوق، ثمّ تتبعها باقي دول العالم تدريجيًّا. إذا تأملنا قليلا مشهد التوظيف المرن في الولايات المتّحدة وجدنا الآتي:
57 مليون موظّف أمريكي أو 36 % من الطاقة العاملة يعتمدون نظام عمل مرن (المصدر: فوربز).
تشهد عمليّة التوظيف في الولايات المتّحدة ومناطق كثيرة من العالم تغيّرًا جذريّا، خاصّة في قطاعيْ الضيافة والتجزئة.
السبب الرئيسي؟ تغيّر ثقافي في طبيعة سوق التوظيف: المزيد يبحثون عن الحريّة أثناء تأدية وظائفهم. وبحسب دراسة إحصائيّة، أكّد 73٪ من الموظفين إن العمل المرن يزيد من منسوب رضاهم وسعادتهم أثناء تأديتهم أعمالهم.
المحرّك الأساسي؟ القفزة التكنولوجيّة العملاقة التي أدّت لابتكار حلول تكنولوجيّة قائمة على الذكاء الاصطناعي والأنظمة السحابيّة (مثال: منصة شفتات السحابية في المملكة).
النتائج المباشرة؟ 89% من المنشآت أكّدت تحسّن نسبة حفاظها على موظّفيها.
عمليّة توظيف ناجحة + موظّفون سعداء
=
العمل المرن هو المستقبل !
ما هي مميّزات العمل المرن للمنشآت؟
على خلاف ما يعتقده بعض أصحاب العمل، فإنّ العمل المرن يساهم في تقليل تكاليف التوظيف بنسبة تصل إلى 30% ابتداءً من لحظة اختيارك للموظف إلى لحظة مغادرته منشأتك . إليك قائمة التكاليف التي ستستغني عنها بمجرّد اعتمادك نظام العمل المرن:
1- تكاليف التأمين الاجتماعي
لا تتحمّل رسوم اشتراك التأمينات الاجتماعية لأول شهرين، والتي تُقدّر بـ 12% ويتمّ احتسابها كالآتي:
رسوم اشتراك التأمينات الاجتماعية
=
(الراتب الأساسي + بدل السكن) (×) 12%
2- التأمين الطبي
حسب النظام المعتمد في وزارة الموارد البشريّة، على كلّ منشأة مسجلة في المملكة توفير تأمين طبّي لجميع موظّفيها، وهو ما يُكلّف منشأتك ما يزيد عن 200 ر.س شهريّا للموظّف الواحد.
3- تكاليف استخراج الشهادة الصحية (الكرت الصحي)
المنشآت التي تشتغل في مجال الأغذية والصحّة العامّة مُلزمة بدفع تكاليف الكرت الصحّي لموظّفيها. قد تصل تكاليف الكرت الصحّي إلى 1400 ر.س في السنة في بعض المناطق في المملكة.
4- الإجازات الرسميّة + الإجازة المرضيّة
إذا اعتمدت عقدًا بدوام عمل كامل فإنّك مُلزم حسب نظام العمل والعمال السعودي بمنح إجازات مدفوعة:
-
9 أيّام للأعياد والمناسبات الرسمية
-
30 يوم للإجازة السنوية
-
معدّل 1 يوم للإجازة المرضيّة
المجموع= 40 يومًا في السّنة
5- تكلفة البحث عن موظّفين
هذا الجزء الذي يُغفله أغلب أصحاب المشاريع الصغرى والمتوسّطة لأنّه لا يُترجم إلى تكاليف مُباشرة.
إليك بعض الحقائق:
-
معدّل الانقطاع الوظيفي يصل إلى 80% في قطاع الضيافة سنويّا.
-
متوسّط راتب مسؤول التوظيف 10.000 ر.س شهريًّا.
عمليّة التوظيف مُرهقة ومكلّفة، ويزداد الأمر سوءًا مع نسب التسرب الوظيفي (الدوران الوظيفي) المرتفعة في بعض القطاعات مثل الضيافة والتجزئة.
خلاصة تكلفة التوظيف بـ:
عقد غير مرن =
الراتب الأساسي + الاشتراك بالتأمينات الاجتماعية + التأمين الطبي + الشهادة الصحيّة (حالات خاصّة) + الإجازات الرسميّة + الإجازات المرضيّة + تكلفة التوظيف
عقد مرن =
الراتب الأساسي فقط
الميزة الثانية: حل لمشاكل التوظيف الموسمي
تواجه معظم المنشآت (خاصّة في قطاع الضيافة والتجزئة) مشكلتيْن أساسيّتيْن:
- زيادة الموظّفين عن الحاجة
- نقص في عدد الموظّفين
السبب الرئيسي هو التجاء المنشآت إلى التوظيف بكثافة أثناء المواسم باعتماد عقود دائمة، أو تجنّب التوظيف لخفض التكاليف على المدى البعيد.
لماذا يحل العمل المرن هذه المشكلة؟ يُمكن لمنشأتك توظيف الأشخاص المناسبين في أوقات الضغط (المواسم)، والاستغناء عنهم لاحقًا حين يخفّ الضغط. وبذلك تتجنّب مشكلتيْن تعاني منهما معظم المنشآت في قطاع الضيافة والتجزئة: زيادة الموظّفين عن الحاجة ونقص عدد الموظّفين المطلوبين.
إيجابيات كثيرة.. هل من سلبيات؟
1- صعوبة التدريب والتأهيل: في معظم الأحيان، لا يكون الباحث عن عمل مرن مختصًّا في مجال العمل المطلوب، وقد لا يملك الخبرة التي يتمتّع بها موظّف بدوام كامل.
2- صعوبة الإدماج: المشكلة الثانية التي قد تواجهها المنشآت هي إدماج الموظفين في فضاء عمل جديد. ونظرًا لطبيعة العمل ذاته فإنّ الموظّف قد يجد صعوبة في الاندماج.
ما هي مميزات عقد العمل المرن للباحثين عن عمل؟
1- اكتساب خبرة في مجالات متنوّعة
يحصل الباحث عن عمل مرن على فرصة العمل في مجالات متنوّعة، ممّا يمنحه خبرة واسعة ويفتح آفاقه على مجالات مختلفة.
2- حريّة اختيار المنشأة
يمكن للموظّف أن يجرّب العمل مع منشآت عدّة، ثمّ يختار بينها الأنسب له ويُواصل العمل بها. الأمر أشبه بفترة تجريبيّة مدفوعة الأجر.
3- الثراء والتنوع
عادةً ما يشتغل الموظّف بعقد مرن في أكثر من منشأة ، لذلك قليلا ما يشعر بالملل، ذلك أنّه يُغيّر فضاء عمله وطبيعة نشاطه من حين لآخر. هذا بحدّ ذاته ينعكس على مردوديّة الموظّف.
4- دخل جانبي
أغلب الموظّفين بعقد عمل مرن هم طلبة وشباب. جزء كبير منهم يعمل لتغطية تكاليف حياته الدراسية أو كسب بعض المال، في انتظار إيجاد فرصة عمله المثالية. في كلتا الحالتيْن، الأمر مناسب للموظّف لأنّه يحقق دخلا إضافيّا دون الاضطرار للعمل بدوام كامل.
ما هي سلبيّات العمل المرن للموظّفين؟
1- امتيازات أقل:
كما سبق وذكرنا فإنّ الموظف بعقد عمل مرن لا يحصل على امتيازات العقد الدائم (التأمين الطبي، التأمين الاجتماعي، الإجازات المدفوعة..).
2- صعوبة التأقلم في مناخ عمل جديد:
قد يجد بعض الموظّفين ذي الشخصيات الانطوائية صعوبة في التأقلم مع التغيّرات الكبيرة التي تطرأ على فضاء عمله. وفي حين يستغلّها البعض لتقوية شخصيّته وكسب علاقات جديدة، يواجه البعض الآخر صعوبات دائمة في التأقلم (الأمر شبيه بالانتقال من مدرسة إلى أخرى كلّ سنة والتعرّف على زملاء دراسة جدد).
مقارنة بين إيجابيات العمل المرن وسلبياته للباحثين عن عمل
الخلاصة:
إذا وصلت إلى هذه الفقرة من المقال فلا بدّ أنّ الصورة أكثر وضوحًا لديك من قبل: العمل المرن مُفيد لصاحب العمل والموظّف على حدّ سواء. وكما يُقال بالانجليزية: It's a win-a-win situation.